Sunday, December 18, 2011

ما الذي يدفع المغتصبين إلى ارتكاب جرائمهم؟

2011 الساعة 15 : 08





كانت ليلة كالحة السواد، مازال يتذكر تفاصيلها بكل قوة .. حينما اغتصبت طفولته البريئة بكل وحشية .. مشاهد وصور كان يستحضرها كلما هم بتفريغ مكبوتاته والتنفيس عن عقدته النفسية عبر إعادة نفس الجريمة التي كان ضحية لها!


يجلس وحيدا وسط زنزانة مظلمة لا تحتوي سوى بابا موصدا، تتخلله نافذة تسمح بمرور قطعة من الضوء ترتسم أمامه على الارض، يتذكر قيم النماء والإبداع، التي زرعتها أمه ذات يوم في عقله الصغير، غير أنها أثمرت مجرما متخصصا في اغتصاب الطفولة البريئة، ونزع المرح والبسمة عن شفاه العشرات من الأطفال، والسبب ؟ … الرغبة الدفينة في الانتقام!


طفولة مغتصبة
لم يكن «سمير» ذي ال23 عاما، أن الحياة قاسية ستعصف به إلى غياهب السجون، بسبب ما يظنه شرعة خاصة تسمح له بممارسة شذوذه الجنسي على كل من وقعت عليه عيناه من الصبيان، بسبب ما تعرض له في الماضي، من اغتصاب بشع، على يد شخص كان يرى فيه قدوة في الحياة. لكن مغامرة سمير الأخيرة جعلته يقف مكبل اليدين عن استكمال أشواط أخرى.
كل شيء بدأ ذات ليلة سوداء من ذاكرة زمنه، ليلة ممطرة، لم يعد يتذكر من فصولها سوى الألم الذي اعتصر أحشاءه، وبقع الدم التي تعلقت بتبانه الصغير، وبكاءه الصامت الذي استرعى انتباه والدته بعدما رجع متأخرا للبيت الذي يقع على أطراف المدينة القديمة بمراكش.
بعد تلك التجربة المريرة التي عايشها «سمير»، استسلم لحياة العزلة، وصعوبات الاندماج مع أقرانه. ثم انخرط في سوق الشغل بعدما لم يوفق دراسيا، حيث وجهته أمه لاحتراف مهنة النجارة بورشة خاله.
أول تجربة في مسلسل جرائمه الانتقامية، كانت في مرحلة مراهقته، حيث اغتصب طفلة من أقاربه الذين حلوا ضيوفا على أمه، مستغلا في ذلك براءة الصغيرة، وعدم درايتها بالسلوك المشين الذي وقعت ضحية له، تجربة شكلت عاملا محفزا له للمضي قدما في مشاريعه القذرة خصوصا مع عدم اكتشاف أمره.
توالت بعد ذلك وتيرة عمليات الاغتصاب، التي سكنت أعماق مخيلته، كانت إحداها بغابة جبلية بضواحي المدينة، حيث شارك بعض رفقاء السوء المدمنين على شرب «الماحيا» في توقيع جريمة جنسية بشعة، كانت ضحيتها فتاة شابة. بعدها بحوالي ستة أشهر أرغم سمير، الذي أدمن طريقة الانتقام التي ابتكرها، طفلا لا يتجاوز عمره 11 سنة، على مداعبة قضيبه بدار مهجورة، بعد أن تمكن من استمالته خفية عن أهله، بإحدى أزقة المدينة الحمراء.
أما المحاولة التي أطاحت به، وجعلته يستفيق من غفلة ممارساته الشاذة، فقد كانت ورشة خاله مسرحا له، حينما غرر بطفلة الجيران، وتمكن من الخلوة بها بمرحاض الورشة، بعد انتهاء ساعات العمل، غير أن الصدفة قادت الخال لاكتشاف أمر الواقعة، بعدما رجع للورشة بدعوى نسيانه لبعض أغراضه بها، ليربط الاتصال برجال الأمن الذين اعتقلوه وقادوه للدائرة الأمنية، قصد إخضاعه للتحقيق، حيث لم يجد مايدافع به عن نفسه سوى تصريحات مقتضبة فضحت سره الدفين .. «بعد لمرات مكنتش كنغتصبهم بصورة كاملة .. غير كنسمع التوسلات ديالهم كنخليهم يمشيو ..»!



العقدة القاتلة!
لم يجد مايبرر به جريمته التي لاتغتفر غير اعتراف بسيط .. «تعرضت لعملية اغتصاب في طفولتي، جعلتني أعيش في دوامة العاهة المستديمة، والطفولة الاستثنائية».
كلمات بسيطة لخص بها مسار حياة، كانت نقطة بدايتها من منطقة نائية بالقرب من «إيمنتانوت»، قبل حوالي 19 سنة، وانتهت على وقع جريمة كان أحد أحياء البيضاء مسرحا لها، بينما ضحيتها طفل صغير لم يتجاوز عشر سنوات!


المغتصب الذي كان ضحية فعل شاذ خلال مراحل طفولته على يد مجموعة من شبان الدوار، استسلم لنار العقدة المتقدة في نفسه منذ صباه. تعرف على أسرة تقطن بحي شعبي بمدينة الدارالبيضاء، خلال شهر رمضان، ولأنه غريب عن المدينة، ليس له معارف بها، كانت الأسرة تبادر إلى دعوة الشاب الغريب الذي يشغل في محل البقالة الذي تمتلكه إلى تناول وجبة الإفطار. بعدها توثقت العلاقة بين أسرة الضحية والشاب الذي انتقل للسكن بتجزئة بالحي ذاته. كان الشاب يصر على رؤية الطفل كثيرا ويهتم به بشكل كبير مما جعل الأم تشعر ببعض الإنزعاج والشك. إلا أنها سرعان ما اقتنعت بتطميناته الشاب الذي أكد أن تعلقه بالطفل نابع من رغبته في رد جميل الأسرة، فكان يمنح الصغير الهدايا البسيطة عند رجوعه من المدرسة، ويحنو عليه.


في أحد الأيام تركت الأم طفلها رفقة جلاده دون أن تدري ما فعلته بصغيرها. وفي المرآب الذي يكتريه الشاب سينفرد الأخير بالطفل ويمارس عليه الجنس بطريقة وحشية، قبل أن يضع حدا لحياته ويلوذ بالفرار.


بعد عودة الأم لمنزل المتهم للسؤال عن ابنها، الذي تأخر في الالتحاق بالبيت، سألت الحارس الليلي، فأخبرها أن طفلها والشاب لا أثر لهما. ساورت الأم شكوك قوية حول تعرض طفلها لمكروه، واتصلت بصاحب المنزل، الذي حل للاستفسار عما يحدث، فطالبته والدة الضحية بفتح المرآب، لكنه رفض ذلك وغادر المكان، لتتوجه بعدها الأم المفجوعة إلى الدائرة الأمنية، التي نصحها رجالها بعدم التسرع، والانتظار حتى ظهر اليوم ذاته، لاتخاذ الإجراءات اللازمة. قصدت الأم المستشفيات ومستودع الأموات بدوره، لكن دون نتيجة قبل أن يتصل بها أفراد الشرطة ليخبروها بالعثور على ابنها جثة هامدة داخل المرآب، أسابيع بعد ذلك تم إلقاء القبض على المغتصب القاتل، الذي اتضح أنه موضوع العديد من مذكرات بحث نتيجة تورطه في أكثر من عملية اغتصاب استهدفت قاصرين!


————————————————-


اغتصاب في أحضان التشرد! التشرد أو الحياة خارج سياق المألوف .. حياة لا تعترف بثقافة المحظور .. بما فيه الفعل الجنسي .. حيث الممارسة لا قواعد لها .. وسلاح الاغتصاب أداة لبسط الهيمنة و التسلط وتصفية الحسابات .. «أيوب» .. «فاطمة»، وغيرهم .. أشخاص سقطوا ضحايا عمليات اغتصاب حسب تقاليد و أعراف عالم «الزنقة» !
حياة على إيقاع محنة التشرد، وجحيم الاغتصاب، عاش في أتونها «أيوب»، لشهور عدة قبل أن تتلقفه جمعية للدعم والمساعدة الاجتماعية، خطوة جعلته يأخذ وضعه الطبيعي كطفل متمدرس له الحق في الحياة الآمنة، والبسيطة، غير أن ما تعرض له خلال فترة تشرده، كان لها وقع خطير على وضعه النفسي الهش. لقد كان ضحية عدة عمليات اغتصاب من طرف رفقائه السابقين في حياة التشرد القاسية.

متحررون من الخطوط الحمراء !


لا يعترفون بجرمية إتيان المحظور، لا حدود لجرأة مغامراتهم، ولا خطوط حمراء في حياتهم الحميمية، بهذه العبارات وصف «أحمد»، الذي يقطن في إحدى العمارات المتاخمة لرصيف الحاويات، بميناء مدينة الدارالبيضاء، مشهدا جنسيا عجائبيا في حلقة مغلقة بين مجموعة ممن دفع بهم اليأس والظروف العصيبة إلى العطالة عن الحياة. يروي أحمد أنه طالع ذات ليلة بأم عينيه، عمليات اغتصاب متكرر في حفلة جنس جماعي لمجموعة من المتشردين، حيث تحول الفاعل مفعولا به، والمفعول به فاعلا، رغما عنه، أو طواعية، في تساكن غريب، وبعد الانتهاء من قضاء أوطارهم، أخذوا يتبادلوا السب والشتم، والاتهامات المتبادلة حول اعتداء بعضهم على بعض، .. «من بعد فهمت أنهم ماكانوش في وعيهم مني كانوا بيناتهم .. السيلسيون خلاهم غايبين .. معارفينش آش كيديروا» !
الحلقة الأضعف في جماعات المشردين، هي الأجساد المجانية، التي تقتنصها الأزقة والزوايا المظلمة، كهدايا متواضعة للمنحرفين الضالعين في عالم «الزنقة». نساء أو فتيات قذف بهن القدر في محطات غريبة تستمد قوتها من يوميات التشرد وجحيم الاغتصاب المتربص بهن. البعض ينعتنهن بـ «نساء الطرقات» .. كائنات أنثوية يعشن على عتبة القسوة، وهامش الحياة، لا يستطعن حتى البوح بالمحن والاعتداءات الجنسية، التي أصبحن يتعايشن معها بصفة شبه دورية، أمام استشراء التهميش، والإقصاء، والرغبات الذاتية في الانطواء والعزلة.


متشردات ومختلات ضحايا اغتصاب الفتوات

«خاصك تشوف شارع محمد الخامس بليل، مع مشكل الطرامواي، وليتي مرة مرة، كتمسع غير الغوات، بحال السيمانة الفايتة، جينا نشوفوا لقينا جوج منهم، كيغتصبوا في وحدة منهم صحة، وهادشي معاها ولدها صغير .. غير الله يستر والسلام »!
«فاطمة» تحولت إلى متشردة بعد أن تنكرت لها أسرتها بعدما، حملت بطريقة غير شرعية من ابن صاحب البيت الذي كانت تشتغل به، تمددت على لحاف متسخ وغطاء ممزق .. «ما عندي فين غادي نمشي .. حتى واحد مابقا عاقل عليا .. وديما كيتكرفسوا عليا .. آش غادي ندير» ! .. ابتسمت وغطت رأسها مكتفية بالنظر بين الفينة والأخرى نحو المارة، استدرارا منها لعطفهم وشفقتهم، ودريهماتهم القليلة، التي بالكاد تقيها شر الجوع ! .. «فاطمة» كغيرها ليس بيدها غير انتظار ساعات الليل الموحش الذي تسري فيه شريعة الغاب التي تؤطر حياة قاسية تتجاوز كل الحواجز الحمراء.
الطامة الكبرى هي حينما يتجمع الخلل العقلي، وحياة التشرد .. حيث تنتهي الثنائية بدائرة اعتداءات جنسية متوالية والمحصلة؟ ولادات غير شرعية .. «واحد السيدة باقي كنعقل عليها في بوركون .. مسكنية عندها خلل عقلي .. وكانوا كيتعداو عليها .. حملت شي ربعا ديال المرات» تحكي إحدى الناشطات في مجال محاربة الإقصاء والتهميش.


مواهب ضائعة وتصفية حسابات
قبل عدة أسابيع أوقفت عناصر الشرطة القضائية بالدارالبيضاء، بطل فيلم سينمائي، بتهمة محاولة الإغتصاب والإعتداء على قاصرة بسلاح أبيض، حيث تم توقيفه وهو يعيش في وضعية تشرد! متشرد موهوب طاله النسيان، « وجد في حالة تخدير، يعيش في أحد الخرابات، أكد للمحققين أنه كان في وضعية غير طبيعية، وأوضح أنه عاد لحياة التشرد بعد انتهاء الفيلم، ونفاذ الأموال التي جناها من مشاركته في تلك الأعمال الفنية»، يوضح مصدر أمني، عايش عن قرب عمليات اغتصاب همت متشردات، «الأمر أكبر من إمكانياتنا .. يجب أن تكون هناك مقاربة شاملة»، يصرح ذات المصدر.


حالات كثيرة يكون فيها الاغتصاب نتيجة مشاحنات ومطاحنات تجري نهارا، ثم يأتي الليل لتصفية الحسابات باعتبار الاغتصاب سلاحا نفسيا، به يتم استعباد المشرد لصالح من هو أقوى منه في حلقته الضيقة. ممارسات تكون مسرحا لها مواقف السيارات، الأرصفة .. الحدائق .. حيث لا ملجأ ولا مسكن، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بانتظار عبث حياة قد تقودهم ليقعوا فرائس نزوات عابرة!

محمد كريم كفال


—————————————————–


عقوبة الاغتصاب قد تصل عشرين سنة سجنا


+++ ماهو الاغتصاب في القانون؟


جريمة الاغتصاب عرفها المشرع المغربي في الفصل 486 من القانون الجنائي، أنها مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، ولاتربط بينهما علاقة شرعية، وعليه فالاغتصاب هو اتصال جنسي بالمرأة بالإكراه أو الغصب، وللقول بأن هناك جريمة اغتصاب لابد من توفر ركنين أساسيين هما الركن المادي والركن المعنوي.


- الركن المادي ويشمل بدوره عنصرين أساسيين هما الاتصال الجنسي والإكراه أو الغصب.


- الركن المعنوي وهو النية الإجرامية أو القصد الجنائي، والمقصود به توافر النية في إحداث اتصال جنسي مع المرأة وهي مكرهة، أي انعدام عنصر الرضا الذي عو عدم انصراف إرادة المجنى عليها على قبول الإتصال الجنسى مع الجانى، وقد يكون عدم الرضا هذا نتيجة الأكراه المادى أو المعنوى بسلب إرادتها، أو عدم إدراكها، وتعتبر جريمة الاغتصاب من جرائم الشرف الخطيرة، الماسة بكرامة المرأة وإنسانيتها، فهو يلحق الأذى بنفسية الضحية طوال حياتها، لما له من انعكاسات سيكولوجية واجتماعية خطيرة، والعديد من الجرائم ترتكب دون التمكن من الكشف عن هوية الجناة، بسبب ثقافة «العيب والحشومة والعار»


+++ ماهي طرق تحريك المتابعة في جريمة الاغتصاب؟


يمكن تحريك المتابعة بجميع الطرق المخولة قانونا من وشاية أو تحرير شكاية، وتوجيهها للنيابة العامة، أو تحرير محضر مباشرة، والشائع أن تحريك المتابعة يكون عن طريق شكاية تضعها المجني عليها لدى مصالح النيابة العامة، أو أن هذه الأخيرة هي التي تحرك الدعوى العمومية، في حال كانت ضحية الاغتصاب قاصر، وذلك طبقا لمقتضيات مواد قانون المسطرة الجنائية، ويعود الاختصاص المحلي لوكيل الملك في مكان ارتكاب الجريمة، وإما لوكيل الملك في مكان إلقاء القبض على المتهم.


+++ ماهي العقوبات المقررة لجريمة الاغتصاب؟


تطرق لها الفصلان 486 و487 من القانون الجنائي، فمتى قامت جريمة الاغتصاب فإن العقوبة هي السجن من خمس إلى عشر سنوات، وتتشدد العقوبة في حالة الظرف المشدد، الذي يتعلق بسن المجني عليها، إذا كان سنها يقل عن ثمانية عشرة سنة أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة، و في حالة ما إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عندها أو عند أحد من الأشخاص السالف ذكرهم، أو كان موظفا دينيا أو رئيسا دينيا، وكذلك أي شخص استعان في اعتدائه بشخص أو بعدة أشخاص فإن العقوبة يمكن أن تصل إلى السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة، حسب نص الفصل 488 الذي تضمن عنصرا آخر من عنصر التشديد وهو الإفتضاض.


ذ . جمال أبو ريش / محامي بهيئة الدارالبيضاء
حاوره : محمد كريم كفال

  • بلوجر
  • فيسبوك
أترك تعليقا باستعمال بلوجر

No comments :

أترك تعليقا باستعمال الفيسبوك
كافة الحقوق محفوظة ل موقع أم مها: كل ما يهم المرأة - تصميم آر كودر

زر الواتساب يشتغل في الهواتف فقط