أحسين فاطمة
ظهرت في السنين الأخيرة فتاوى غريبة في ما يخص الحياة الجنسية للبشر، ما جعلنا نندهش ونستغرب هو خروج هذا الخطاب الديني عن إطاره الشرعي المعهود أي العلاقة الجنسية :إنسان ـ إنسان من جنسين مختلفين في إطار ضوابط مشروعة, إلى خطاب ديني يبيح وبالتالي يشجع على العلاقة الجنسية : إنسان ـ جماد أو إنسان ـ الشيء، (إذا استثنينا طبعا تحريم الإسلام للعلاقة الجنسية بين نفس نوع الجنس أي اللواط و السحاق وتحريم زنا المحارم).
وكإطلالة على هذا الموضوع، فقد شهد عام 2011 إصدار العديد من الفتاوى في هذا الباب، فقد حرم أحد دعاة المسلمين بأوروبا النساء من ملامسة الخضروات و الفواكه التي تتخذ شكل العضو الذكري للرجل مثل الموز و الخيار بدعوى أنها ربما تؤدي إلى إثارتهن جنسيا أو إغوائهن، ووجد هذا الفقيه أن من بين الحلول لعدم إثارتهن إن رغبت المرأة في تناول هذا الطعام هو إعداده من طرف رجل البيت عبر تقطيعه إلى أجزاء صغيرة لتبعده عن شكله الأصلي المثير للجدل! بالمغرب وخلافا لهذا الفقيه، فقد أجاز الشيخ عبد الباري الزمزمي في هذه الأيام معاشرة الخضر وحتى الأواني التي تتخذ شكل العضو الذكري للرجل مثل الجزر والقنينات و يد لمهراز وذلك من أجل التفريغ عن المكبوتات الجنسية للنساء، وهكذا فقد حول هذا الفقيه المطبخ إلى متجر من الأشياء الطبيعية والاصطناعية لإثارة الجنس وتفريغ المكبوتات، دون أن ننسى فتواه السنة الفارطة والتي تخص جواز معاشرة الرجل للمرأة الميتة، لتجعلنا نتساءل : كيف لرجل أن يقبل على نفسه أن يعاشر جثة هامدة إن لم يكن هو كذلك جثة وميت الإحساس والمشاعر ووجب في حقه تغسيله وتكفينه وإكرامه بالدفن؛ فهذا ما تعلمناه على أيدي أساتذتنا الكرام.
هذه الفتاوى الغريبة تجعلنا نقف لحظة تأمل ونتساءل: ماذا يريد هؤلاء الفقهاء صنعه بهذا المجتمع!
إن اختزال العلاقة الجنسية في علاقة إنسان ـ جماد، يعد من أخطر مظاهر الفساد الذي قد تعاني منه الحياة البشرية، فالغرب أصبح ينكب على جميع الوسائل لمحاربتها عبر التشجيع على الزواج حتى تكون الاستمرارية للعنصر البشري، مع توضيح مساوئ هذه العلاقة التي لا تخلق سوى أمراض نفسية خطيرة كالعزلة و الانطواء و الكبت الجنسي.
وبما أننا نتكلم عن الغرب والعلاقات الجنسية، فأتذكر أنني عندما كنت أتابع دراستي بمدينة تولوز الفرنسية، نظم الطلبة يوما تواصليا مع باقي زملائهم الطلبة حول خطورة مرض السيدا، ولأن أفضل مكان لإيصال المعلومة هو المكان الذي يجتمع فيه الطلبة فقد اختاروا المطبخ الجامعي مع وقت الغداء، ذلك المشهد لن أنساه أبدا حيث الطلبة رتبوا المكاتب و وضعوا صور تتحدث عن المرض، وكانوا يستقبلون زملائهم الطلبة لشرح المرض وإعطاء النصائح؛ وبينما كنت في الصف أنتظر دوري للدخول إلى المطبخ ، كان أحد الطلبة الفرنسيين يوزع علبتين لكل فرد تحتويان على الواقي الذكري على باقي الطلبة الذين لم يذهبوا لأخذ المعلومات حول المرض، ليقوم الشاب بإعطائي العلبتين، لا أخفيكم أنني شعرت بالدهشة في أول الأمر لتلك الجرأة التي لم أعهدها في بلدي المغرب، لآخذ تلك العلبتين وأشكره بكل لباقة على مجهوداتهم، بعد ذلك بدأت أتصفح تلك العلب، فوجدت أنها تحتوي على شروحات ونصائح حول المرض؛ لأجد نفسي أتساءل كيف أن هذا المجتمع الغربي الذي رسمنا له صورة بعيدة كل البعد عن الواقع؛ وأن هذا المجتمع إن وصل إلى ما وصل إليه فبفضل يقظته وتحصينه من جميع آفات العولمة ومخلفاتها.
بعد أن أتممت دراستي عدت إلى المغرب فطرحت على أحد الأصدقاء تأطير تلاميذ الثانويات حول ظاهرة السيدا في إطار حقوقي مادام أن حق حماية صحة الفرد واجب ديني و أخلاقي، فأجابني أن هذه الخطوة ستجلب لي المشاكل مع تيارات قد تصفني بأنني أنشر الفجور داخل المجتمع، فاندهشت وأجبته أنني أتأسف و أتحسر على الضحايا الأبرياء لهذا المرض، لأننا بكل بساطة لا نريد أن نكون واقعيين مع أنفسنا, نريد أن ننعزل عن ما يعانيه العالم من مشاكل تهدد الحياة البشرية رغم أن الأرقام والإحصائيات تفضحنا وتعرينا أمام العالم، فالشركة العملاقة "غوغل" فضحتنا وبينت الإحصائيات التي أنجزتها أن أكثر الدول بحثا عن كلمة " Sex " في محرك البحث "غوغل" هي الدول الإسلامية.
وبكل موضوعية كيف كان استعداد المجتمع العربي والمجتمع المغربي بالخصوص للدخول إلى عالم الفضائيات و الأنترنيت، مادام أن هذا العالم كسر الحواجز وعرى الحقائق وأصبحت المعلومة تصل في جزء من أجزاء الثانية، وبكل واقعية فإننا لم نكن على أهبة الاستعداد للدخول إلى العولمة، وما زاد الطين بلة هو صب "الجهل بالأمور" على " الفقر" المنتشر داخل المجتمع الذي أشبهه بصب الزيت على النار، فعلى سبيل المثال يكفي أن يقوم مشعوذ بنشر وصفة طبية يدعي فيها أنها تعالج أحد الأمراض الخطيرة، حتى تجد لديه صفوفا من البشر وهي مستعدة لدفع أي ثمن لاقتناء تلك الوصفة، بعيدا عن الاستفسار عن التأطير العلمي للوصفة للتأكد من نجاعتها بل وقد تجد مركبات سامة تدخل ضمن مكونات هذه الوصفة مما قد يشكل خطر على صحة المستهلك. (قناة "الحقيقة" لصاحبها الهاشمي نموذجا)
إن قيمة الفتوى لا تقل قيمة عن الوصفة الطبية مادام أن دورها هو تهذيب النفس والترويح عنها، ولها نفس التأثير على المجتمع وهنا تتجلى خطورتها والأكيد أن الفتاوى الجنسية ستجعلنا ندق ناقوس الخطر ونطالب باستعجال بإدماج التربية الجنسية الإسلامية السليمة داخل المقررات المدرسية حتى نحمي أبنائنا من هذه المعلومات أو الوصفات للترويح عن النفس و إفراغ المكبوتات والتي قد يدفع ثمنها غاليا المراهقات في غياب التأطير العلمي, حتى لا نجد بمصلحة التوليد فتيات قد تعفنت الخضر والفواكه داخل جهازهن التناسلي في ظل الخوف من إخبار أمهاتهن بما قد يصيبهن من إباحية استعمال هذه الأشياء والجهل بخطورتها!
وإذا كانت المجتمعات الغربية اليوم تبحث عن جميع الوسائل للهروب من هذه الظواهر بل وترجع للدين الإسلامي للبحث عن الحلول، فإن بعض فقهاء الإسلام أصبحوا يبيحون هذه الظواهر وذلك عبر الجهر بجوازها عوض المضي نحو استئصالها، وذلك بحث الشباب على الزواج و حث الفتيات على عدم تكثير الشروط المطلوبة في الزوج والقبول بالقليل، مما يجعلنا نتساءل عن مصدر اجتهاداتهم ما دام أن الدين الإسلامي شجع على التكاثر وعلى مخاطبة الروح للروح في إطار ضوابط شرعية معروفة حيث قال الله تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الروم/ 21
إن اختزال العلاقة الجنسية بين إنسان ـ جماد, سيجعلنا نخرج من النور إلى الظلمات، ظلمات الا إحساس و حيث تغيب المودة والرحمة ويحضر الشك والعزلة حتى بين الأزواج الذين قد يفرغ أحدهم احتياجاته بعيدا عن مشاركة الطرف الآخر.
رجاء ا فلنقف وقفة تأمل، لأن الأكيد أن مسارنا أصبح معوجا!
ليست هناك تعليقات :