الاثنين، 23 يوليو 2012

المسابقات الهاتفية «قمار» على الهواء

بلاغ ضد «البيت بيتك» فجّر القضية

المسابقات الهاتفية «قمار» على الهواء

القاهرة - حنين خالد
حرر مواطن مصري يدعى نور الدين محمد السيد محضرا قضائيا ضد برنامج «البيت بيتك» الذي يعرض على التلفزيون المصري ويحمل رقم 2007/1786، إداري شرطة السلام شرق القاهرة، يتهم فيه البرنامج بالنصب عليه، بعدما أنفق 3500 جنيه مصري على الاتصال برقم البرنامج للفوز بجائزة المسابقة التي نظمها وقدرها 10 آلاف جنيه، لكنه لم يحصل على الجائزة على رغم وعده بأنه سيدخل السحب.
وأكد المدعي في المحضر أنه قد فاز فعلا في المسابقة فمن خلال أحد اتصالاته بالبرنامج فوجئ بعد إجابته على أحد الأسئلة بالقول نعم جوابك صحيح الرجاء بعد سماع الصفارة تقول اسمك ورقم هاتفك، وفوجئ يوم السبت أن جوابه الذي قالوا له صحيح عادوا ليذكروا انه خطأ وقد حاول طرق بعض الأبواب إلا أنها جميعا أوصدت في وجهه فقد أرسل إلى البرنامج حتى يخبره أحد أنه فائز أو خسران ولم يجبه أحد. وبعث برسالة إلى رئيسة التلفزيون سوزان حسن وأخرى للإعلامي محمود سعد لرد قيمة اتصالاته الهاتفية وهي 3500 جنيه، وأنه لا يريد العشرة آلاف جنيه ولكن لم يتلق ردا من أي منهما. هذا المحضر فجّر قضية مهمة وهي التلاعب بأحلام البسطاء والشباب، وأعاد للأذهان وهْم المسابقات التلفزيونية التي تلعب بآمال وطموحات الناس، مع أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.
«ألوان الوسط» استطلعت رأي الشباب وخبراء النفس والاجتماع والدين والاقتصاد في هذا الموضوع فكان هذا التحقيق:
اختلفت فئات الشباب بشأن هذا الموضوع فالبعض رأى أنها مسابقات وهمية لخداع المشاهدين وطرق عصرية للنصب عليهم وذلك عن تجارب استنفدت منهم الكثير من المال. واختلف البعض الآخر معهم مؤكدين أن هذه المسابقات حقيقية، ولكن كثرة المشاركين بها يقلل فرص الفوز فيها، وأن مسئولي الإعلام بهذه المسابقات لا يمكن أن يسمحوا بالنصب والاحتيال على المشاهدين.
النفع والضرر
ومن جانبه، أوضح أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق وائل أبوهندي أنه عند النظر لمثل هذه المسابقات نجد أنها لا تنفع بقدر ما تضر فهي ذات أثر سلبي على الشباب، إذ خلقت عندهم نوعا من التواكل والاعتماد على الآخرين ليس في الكسب فقط ولكن في كل نواحي الحياة، فليست المشكلة في سعي الشباب نحو الكسب السريع فقط، إنما المشكلة الأخطر أنهم يتنافسون للاشتراك في هذه المسابقات حتى وإن كانوا لا يهدفون من ورائها الربح المادي وإنما كل ما يريدونه هو الفوز في المنافسة، وفي هذه الحال تصبح هذه المسابقات شغلهم الشاغل ويحاول كل شاب الاشتراك أكثر من مرة وقد يستمر على هذه الحال سنوات طويلة وفي كثير من الأحيان ينتهي الأمر بالخسارة، وهذا قد يصيبه بالإحباط الذي يقضي على ما تبقى من حياته، هذا بالإضافة إلى الخسارة المادية الفادحة التي تؤدي في غالبية الأحيان إلى أزمة اقتصادية لا يقوى الأهل على حلها، ولم يعط الشباب بالا لهذه الأزمات لاعتيادهم على السلبية في كل الأمور.
ضوابط بناءة
وفي السياق ذاته، أكد الخبير الاقتصادي أشرف دوابة أن النظام الاقتصادي الإسلامي يقوم على مجموعة من الضوابط تقود إلى تحقيق التنمية الشاملة للإنسان وللأسرة وللمجتمع، ولعل أهمها هو ربط الكسب بالجهد والعمل الجاد والمحافظة على المال من خلال تنميته بالاستثمار في المجالات المشروعة وتجنب المقامرة والتدليس والغش، وكذلك كل المعاملات التي لا تهتم بحفظ المال، ولا شك أن أبرز هذه المعاملات مسابقات «اليانصيب والمسابقات الهاتفية». فمثل هذه المعاملات التجارية لا تحقق التنمية الاقتصادية الشاملة لأفراد المجتمع إذ إنها تستنزف أموالهم لتذهب إلى قلة قليلة، وهنا يفقد المجتمع ملايين الجنيهات كان من الممكن الاستفادة بها في إقامة مشروعات ضخمة تستوعب الشباب الذين يعانون من البطالة. كما أن هذه المسابقات تعتبر من قبيل توجيه الأموال إلى مجالات فرعية ليست من الضروريات وهذا لا يحقق إضافة إلى الإنتاج والخدمات العامة والتي تشكل جوهر الاقتصاد القومي لأي مجتمع لذلك فإن هذه المسابقات تساهم في انخفاض الدخل القومي بسبب استنزاف جزء كبير من هذا الدخل في الاشتراك في هذه المسابقات، ومن ثم تعود الفائدة فقط على شركات الاتصالات وذلك بأرباح طائلة لا تضيف شيئا إلى مصادر الإنتاج القومي. هذا بالإضافة إلى أن تلك المسابقات تقتل روح الجدية والكفاح والعمل لدى الشباب والذي يأخذ من هذه المسابقات بديلا للكسب السريع من دون عمل أو عناء، وهذا بدوره يقتل لديهم روح المشاركة في تطبيق صيغ وقواعد الاستثمار الإسلامي القائم على تفاعل دائم بين رأس المال والعمل معا لإنتاج الحلال الطيب. وأشار إلى أن الأثر السلبي لهذه المسابقات لا يتوقف عند جيل بعينه وإنما يمتد إلى الأجيال القادمة إذ إنها تنشئ أجيالا لا تؤمن بقيمة العمل الجاد في سبيل التنمية الاقتصادية الفعالة لأفراد المجتمع ومن ثم يصبح كل هدفهم أن يكونوا من المحظوظين.
مسابقات محرمة
وأكد أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة عبدالصبور شاهين أن من يشترك في هذه المسابقات بصفة مستمرة سعيا وراء المكسب المادي من دون أن يفكر في عمل يستفيد منه ويفيد غيره فهذه المسابقات تكون محرمة بنص شرعي لما ورد في قوله تعالى: «ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين» (لقمان: 6)، وفي هذه الحال تكون هذه المسابقات مما يلهي عن عبادة الله، ويجب على الشباب طاعة الله ورسوله، فقد أمر الله المؤمنين بالعمل في قوله تعالى: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون» (التوبة: 105). وأوضح عبدالصبور أن هذه المسابقات تشبه اليانصيب والتي أجمع العلماء على أن المكسب المادي العائد منها حرام ولا قيمة له، فهو يعتبر مثل مال القمار، ويجب علينا عدم تعميم هذا الحكم على كل الشباب فكثير من الشباب يراعون الله في أحمالهم.
ويشير إلى أن هذه المسابقات مباحة في حال ما إذا كانت الجهة المنظمة لها تدفع الجوائز متبرعة، لكن الذي يحدث هو أن هذه الجهات تستفيد من هذه المسابقات استفادة تجارية كبيرة ويكون كل مشترك في هذه المسابقات بين أمرين، إما أن يخسر قيمة المكالمة أو يكون هو الفائز بقيمة الجائزة ويخسر باقي المتسابقين ويكون الدخل الأكبر للمنظمين.
واعتبر عبدالصبور شاهين أن هذه المعاملات، إن لم تكن عين الميسر والقمار ففيها روحهما والاعتماد على الحظ وألعاب المصادفة من دون بذل الجهد في مراعاة الله لعباده من العمل في الزراعة والصناعة والتجارة، فمهمة المشترك في هذه المسابقات أن ينتظر أن تهبط عليه من السماء جائزة تغنيه من فقر وتعزه من ذل وتنقله من طبقة إلى أخرى أعلى منها من دون أن يبذل مجهودا أو يعطي الحياة كما يأخذ منها.


صحيفة الوسط البحرينية - العدد 1667 - السبت 31 مارس 2007م الموافق 12 ربيع الاول 1428هـ
  • بلوجر
  • فيسبوك
أترك تعليقا باستعمال بلوجر

ليست هناك تعليقات :

أترك تعليقا باستعمال الفيسبوك
كافة الحقوق محفوظة ل موقع أم مها: كل ما يهم المرأة - تصميم آر كودر

زر الواتساب يشتغل في الهواتف فقط